للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طال عليهم الأمد وقست قلوبهم، ونسوا ما ذكروا به، بعث الله إليهم رسولا من عنده مؤيدا بكتابه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويوقظهم من سنة الغفلة ونشوة الغرور، عسى أن ينالوا حظهم من السعادة، وينالوا الحسنى وزيادة، وكما قال تعالى هنا: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}، قال تعالى في سورة السجدة (٣): {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، وقال تعالى في سورة سبأ (٤٤): {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}.

وكلمة {الْعَزِيزِ} الملاصقة لكلمة {الرَّحِيمِ} في قوله تعالى {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، ترمز إلى معنى الإنذار، لمن رفضوا الهدى وأصروا على الضلال، حيث يعاملهم الحق سبحانه وتعالى بمقتضى وصف "عزته" كما ترمز كلمة {الرَّحِيمِ} إلى معنى البشرى، للذين اهتدوا وآمنوا، حيث يعاملهم الحق سبحانه وتعالى بمقتضى وصف "رحمته".

وانتقل كتاب الله إلى وصف حالة المصممين على الكفر، المصرين على الضلال، السابحين في بحار الخيال والوبال، فضرب بحالتهم أشنع وأفجع الأمثال، لأنهم أقاموا بينهم وبين الحق والحقيقة أعظم سور، حتى لا ينفذ إليهم أي شعاع من النور، فقال تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}، مما يدل على أن قلوبهم مقفلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>