إشراقا وتألقا، لكن من زاوية أخرى، حيث قال تعالى (٤: ٣): {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}، أي: من شقوق وثغرات، {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}.
وقوله تعالى:{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}، ينصب معناه على الآية الكونية الأولى والآية الكونية الثانية، فهو تعقيب على ما سبقه، وتمهيد لما لحقه، إذ المراد به تنبيه كل غافل أو متغافل، وكل جاهل أو متجاهل، إلى أن هذا التنظيم الدقيق للكون، الملائم في كلياته وجزئياته لحياة الإنسان، والمنسجم مع فطرته وطبيعته، والضامن لمنفعته ومصلحته، إنما هو من صنع الله وحسن تدبيره، ولولا فضل الله على الإنسان ورحمته به لما تمكن من الانتفاع به، ولعجز عن تسخيره.
وأما الآية الكونية الثالثة التي وردت في نهاية هذا السياق فهي آية البحر وتسخير مياهه لجري السفن وحمل الإنسان، ونقل البضائع والأمتعة على وجه التبادل والتجارة من مكان إلى مكان، بحيث أصبح البحر هو الطريق الممهد والمطروق بين القارات، والفلك التي تمخر فيه أداة الاتصال المباشر بين مختلف الأجناس والسلالات، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ}، أي: لا مغيث يغيثهم، {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}، وسبق في سورة النحل قوله تعالى (١٤): {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ