للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بنفسه التي بين جنبيه، ويتساءل بمنتهى الاستغراب كيف ينسى الإنسان أن الله هو الذي أوجده من العدم، وأنه خلقه من ماء مهين، ثم صوره في أحسن صورة، وجعله في أحسن تقويم، وزوده بالعقل والنطق واللسان، إلى أن أصبح فصيحا بليغا يحسن الجدل والقول والبيان، وبدلا من أن يعترف بفضل الله عليه، ها هو يجادل في الحق ويكابر، ولا يتورع عن المجاهرة بأسخف سؤال يوجهه المخلوق إلى الخالق، وإلى هذه المعاني يشير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}، أي: يتولى مخاصمة مبدعه وخالقه، ويتشدق بتحدي ممده ورازقه، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، لكن لم يلبث أن جاءه الجواب المفحم القاطع: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، قال القشيري: " وما دامت الإعادة في معنى الإبداء، فأي إشكال يبقى في جواز الإعادة في الانتهاء ".

وأضاف كتاب الله إلى هذا الجواب، الذي لا يدخله الشك والارتياب، ظاهرة باهرة أخرى هي ظاهرة انقداح النار من الشجر الأخضر، مع ما بين الماء والنار من تضاد في المخبر والمظهر، وهي ظاهرة معترف بها في القديم والحديث، وذلك قوله تعالى في نفس السياق: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}.

وليقضي كتاب الله على جحود المتنطعين وعنادهم، وعلى شك المتحذلقين واستبعادهم، ألقى عليهم الحق سبحانه وتعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>