مجالس أنسهم، ونوع شرابهم، وحلائل أزواجهم، حيث يقول:{عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}، أي: جالسون على سرر متقابلين، وذلك ليأنس بعضهم ببعض، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ}، أي: بكأس لا تحدث لهم مغصا في البطن، ولا صداعا في الرأس، ولا غيبوبة في العقل، وكلمة " الغول " هي التي أبدلت في اللسان الدارج غلطا باسم " الكحول " تقليدا للنطق الأجنبي المحرف، {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ}، أي: عندهم زوجات عفيفات يغضضن أبصارهن، وهن حسان الأعين، {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}، أي: مصون.
ومن المشاهد المثيرة والمؤثرة التي سجلها كتاب الله في هذا السياق مشهد أحد نزلاء الجنة وهو يحكي لرفاقه بعض ذكرياته، ومنها محاولة أحد قرناء السوء لإغرائه بالكفر وإغوائه، وتشكيكه في أمر البعث والحساب، والثواب والعقاب، وعندما ينتهي من قصته يبدي لرفاقه رغبته في البحث عن مصير هذا القرين ومقره الأخير في الدار الآخرة، فإذا به يكتشف أن قرينه الذي كان يخادعه في الدنيا يوجد بين نزلاء جهنم، ويحمد الله على أن قرين السوء الذي كان يستدرجه للكفر لم يبلغ منه ما يريد، وإلا لهلك مثله وكان له نفس المصير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}، أي: مجزيون ومحاسبون بعد