في معتقداتهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم بأن النظر الصحيح لا يقبل أن شيء من تلك المعبودات إلها، ولا يتردد في الإيمان بأن وراء تلك الكواكب مدبرا دبر طلوعها وأفولها، وانتقالها ومسيرها، وسائر أحوالها.
وقوله تعالى على لسان إبراهيم:{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}، أوهم به إبراهيم قومه أنه أصيب بسقم ومرض، ولعلهم فهموا أن مرضه من أمراض الجسم المعدية، {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}، أي: أدبروا عنه وتركوه وحيدا فريدا، فرارا مما تخيلوه من العدوى، لكن إبراهيم لم يكن سقيما بالمعنى الذي فهموه، وإنما كان سقيما بمعنى آخر، فهو يريد أن يعتزلهم ويختلي بنفسه، ليتمكن من تنفيذ مخططه في الهجوم على أصنامهم والتمثيل بها، وبذلك يزول سقمه، إذ إن الضمير الحي للمؤمن الحق لا يستريح إلا بتغيير المنكر والقضاء عليه، ولاسيما إذا كان في درجة إبراهيم ومقامه العظيم الذي بلغ القمة، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}(١٢٠: ١٦)، وإذن فقول إبراهيم:{إِنِّي سَقِيمٌ} لا يندرج تحت معنى " الكذب "، وإنما هو من جملة " المعاريض " التي تستعمل لتحقيق مقصد شرعي مقبول، وثبت في الحديث الشريف:" إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب "، وما ورد في بعض الأحاديث من إطلاق لفظ " الكذب " على مثل هذا القول وغيره من مقالات إبراهيم المأثورة إنما مجرد " تجوز " في التعبير، وليس المراد به الكذب المنهي عنه شرعا، والمستهجن طبعا، فالأنبياء والرسل- وفي طليعتهم إبراهيم خليل الله- معصومون من جميع