للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النقائص، والكذب من أشنع النقائص وأبغضها إلى الله والناس.

ثم قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}، هذا وصف موجز لما قام به إبراهيم في غيبة قومه، بعد أن خلا بنفسه وبقي وحده في معبدهم، فقد وجد أمام الأصنام التي يزعمون أنها آلهة طعاما أحضروه خصيصا للمعبد، تقربا إلى الأصنام، وتبركا بها، فلم يسعه إلا أن يخاطب الأصنام التي هي جماد مخاطبة العقلاء، إمعانا منه في السخرية بها والاستهزاء، وذلك قوله مخاطبا لأصنامهم: {أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}؟ وفي هذه الخلوة الفريدة من نوعها سنحت له الفرصة التي كان ينتظرها ليتحدى ضلال قومه، ويكشف سفاهة رأيهم وسخافة معتقداتهم، فانهال بيمينه على أصنامهم يضربها ويحطمها، حتى تناثرت أشلاؤها بالهدم والتدمير، ولم يترك منها - لحكمة ستظهر من بعد- إلا الصنم الكبير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}، وإنما خص الضرب {بِالْيَمِينِ} لأنها أقوى والضرب بها أشد، وسبق قوله تعالى في سورة الأنبياء (٥٨): {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}، أي: فتاتا، {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، ومعنى " راغ " مال سرا وذهب في خفية، والمصدر روغ وروغان كما يقال: " روغان الثعلب ".

ثم قال تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}، هذا بيان لما أصاب قوم إبراهيم من هول المفاجأة،

<<  <  ج: ص:  >  >>