وبعد أن نصر الله خليله إبراهيم على قومه بأعظم أنواع النصرة، {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}(٤٠: ٩)، فكر إبراهيم عليه السلام في اعتزال قومه والهجرة من ديارهم، ليأسه من صلاح حالهم، فتوكل على الله، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}، أي: ذاهب إلى مكان آمن أتمكن فيه من عبادة الله، وموطن صالح للدعوة أواصل فيه الدعوة إلى توحيد الله، ابتغاء مرضاة الله، قال القرطبي:" هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام " ولثقة إبراهيم بهداية الله إياه، في الحل والترحال، وتوفيق خطواته في الحال والمآل، عقب على ذلك بقوله:{سَيَهْدِينِ}، إيمانا منه بأن هداية الله له حاصلة لا محالة، واقتداء بهذه المقالة التي قالها إبراهيم عليه السلام قال موسى عليه السلام أيضا:{عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}(٢٢: ٢٨)، وقال:{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(٦٢: ٢٦).
وليطمئن إبراهيم على انتشار دعوته واستمرارها تمنى على الله أن يرزقه خلفا صالحا يحمل الدعوة من ذريته، فالتجأ إلى الله يقول: {رب هب لي من الصالحين (١٠٠)}، ولفظ " الهبة " يستعمله القرآن في الولد والأخ، لكن يغلب استعماله في الولد، كما ورد في هذه الآية، ومن استعماله في الأخ قوله تعالى (٥٣: ١٩): {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}.