خاصة، ذلك أن طائفة كبيرة من الناس بلغ بها الكبر والأنانية إلى حد أن تستغرق حياتها في المتع واللذات، وتستنفذ طاقتها في الجري وراء الشهوات، فهي لا تفكر في الليل أو النهار، إلا في قضاء ما لذ وطاب من مختلف الأوطار، ناسية ما وراء ذلك من الواجبات والتبعات، والحقوق التي عليها نحو الله ونحو الناس، حتى إذا ما حان حينها، ووافاها الأجل، أدركت أنها لم تتزود بأي زاد، ووجدت رصيدها في حالة يرثى لها من الخسران والإفلاس، وإلى هذه الطائفة التي بلغت الغاية في الغفلة والتغفيل، ومن شابهها من الأنانيين والمتكبرين، يشير قوله تعالى:{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.
وأمامنا آية أخرى تعتبر أكبر عدة لدعاة الحق، الصابرين المصابرين من الأنبياء والرسل وأتباعهم الصادقين، ومضمونها الدعوة إلى الثبات على الحق، وإلى التفاني في نشره ونصره، والدفاع عنه مهما كلف من التضحيات والمتاعب، وهي في آن واحد تجديد لعهد الله القاطع، بنصر من نصره، وتأكيد لوعده الصادق، بغلبة أهل الحق وهزيمة أهل الباطل، وهي في نفس الوقت بشارة من الله لجنده، بأنهم سيجنون بعض ثمرات جهدهم وهم على قيد الحياة، وأنهم سيرون انتصار الحق وزهوق الباطل رأي العين، وذلك قوله تعالى في خطابه لنبيه، ولكل من سار على نهجه القويم في حمل الأمانة: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا