قوله تعالى (١١: ٨٠): {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، وجاء قوله تعالى (٨٠. ٧٧: ٥٦){إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قال ابن كثير:(ومن هاتين الآيتين استنبط العلماء أن المحدث لا يمس المصحف، وإذا كان الملائكة يعظمون القرآن في الملأ الأعلى، فأهل الأرض أولى بذلك وأحرى، لأنه نزل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقبلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم).
ثم اتجه كتاب الله إلى خطاب المنحرفين عن الحق من المشركين والكافرين، مستفسرا لهم: هل من الخير أن يتركهم الحق سبحانه وتعالى هملا، فلا يبعث إليهم الرسل، ولا ينزل عليهم الكتب:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}(٣٦: ٧٥)، وهل مصلحة الإنسانية ونفعها أن تقف الدعوة وهي في حالة جزر لا في حالة مد، وأن تتعطل حكمة الله البالغة في توالي النبوات والرسالات على الخلق، وذلك قوله تعالى:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}، وكأن الله تعالى يقول، (إن ربوبيتي لكم تقتضي أن أمدكم برحمتي وإحساني، ولو كنتم مسرفين ظالمين منحرفين)، وهذا هو السر في مواصلة الأنبياء والرسل للدعوة الإلهية، حتى يتحقق الهدف منها وهو إرشاد فريق منهم وصلاحه على الأقل {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(١٦٥: ٤). فمن لطف الله ورحمته بخلقه أن لا يترك دعاءهم