أن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بدعا من الرسل، بحيث لم يسبقه سابق، أو يعد أمره مفاجئا للناس، بل هو خاتم الأنبياء والرسل جميعا، وسلسلة الرسل أمرها ثابت تاريخيا، ومعروف واقعيا، وخبر الكتب المنزلة من عند الله شائع بين كافة البشر، يعرفه المؤمنون وغير المؤمنين، وإذن فلا مجال لاستغراب الوحي الذي أنزله الله على رسوله، فقد أنزله الله على رسله السابقين ولا موجب لاستغراب الرسالة التي كلفه الله بتبليغها للناس، فقد كلف غيره من الرسل بتبليغ رسالته منذ قرون، الوحي والرسالة إذن ظاهرتان طبيعيتان روحيتان أثبتهما التاريخ، وسجلهما واقع الحياة الاجتماعية، إلى جانب الظواهر الطبيعية الأخرى ولا مجال إنكار وجودهما، أو طمس معالمهما.
ونبه كتاب الله إلى العلاقة الوثيقة والرابطة الروحية بين الكتاب الذي أنزله الله على موسى الكليم عليه السلام، والكتاب الذي أنزله الله على نبيه محمد الأمين عليه السلام، كما جاء مصدقا لبقية الكتب المنزلة، فكتب الله يصدق بعضها بعضا، ورسله يتلقون الوحي جميعا من منبع واحد هو الواحد الأحد. وذلك قوله تعالى في هذا الربع:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}، {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}،