(ابن العربي): " إن الصلح إنما هو إذا كان له وجه يحتاج فيه إليه، ويفيد فائدة ".
ووضح كتاب الله السر في نهي المسلمين عن التخاذل والوهن، وعن الصلح إذا لم تكن فيه فائدة محققة للإسلام، فقال تعالى:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ}، إشارة إلى أن الدعوة الإسلامية التي يدافع المسلمون عن حريتها، ويجاهدون في سبيل استقرارها واستمرارها دعوة سامية يجب أن يكتب لها البقاء، لأنها أجلّ قدرا وأعظم مقاما، وأجدى نفعا للبشرية جمعاء، من دعوة الشرك والجاهلية التي هي دعوة سافلة منحطة يجب القضاء عليها إلى الأبد، {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}. يضاف إلى ذلك أن الدعوة الإسلامية دعوة إلهية من الملأ الأعلى تسدد خطواتها إرادة الله النافذة، وحكمته البالغة، فمن نصرها وحمل لواءها كان الله معه في حركاته وسكناته:{وَاللَّهُ مَعَكُمْ}، ومن كان الله معه لم يقف في وجهه شيء:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}(النساء: ٤٥)، ثم قال تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، أي لن يقطع عنكم جزاء أعمالكم، بل يمنحكم الجزاء الأوفى.
وانتقلت الآيات الكريمة إلى التهوين من شأن المصالح المادية، والمنافع الشخصية، التي قد تعوق الإنسان عن الفداء والتضحية في سبيل عقيدته السامية، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ}، إشارة إلى أن خير زاد يتزود به المسلم في هذه الدار لتلك الدار هو ما يملأ به قلبه من الإيمان، وما يشغل به جوارحه من الأعمال الصالحة