وإمكاناتها، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} ثم قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، أي: أن قدرة الله بلغت غاية الغاية في الإنشاء والإبداع على غير مثال سابق: حتى أنها لم تكتف بخلق جنس واحد أو نوع واحد بل انفردت بخلق مختلف الأجناس والأنواع والأصناف، وشمل ذلك جميع المخلوقات، بما فيها الحيوانات والنباتات والجمادات، فهناك على سبيل المثال سماء وأرض، وبر وبحر، وشمس وقمر، وليل ونهار، وضياء وظلام، وحياة وموت، وسعادة وشقاء، وهكذا إلى ما لا نهاية له، حتى " الذرة " نفسها مؤلفة من زوج من الكهرباء: موجب وسالب.
وقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تنبيه على أن استخلاص العبرة، والوصول إلى معرفة الله عن طريق إعمال الفكر في مخلوقاته، هو الثمرة المرجوة من النظر فيها، والتأمل في عجائبها وأسرارها، ولذلك وقع التعقيب على هذه الآية مباشرة بقوله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، والفرار إلى الله معناه التخفف من أثقال البشرية، والتحرر من أغلالها الوهمية، وفي الطليعة الفرار من عبادة الأوثان، إلى عبادة الرحمن، والفرار من الضلال إلى الهدى، ومن الجهل إلى العلم، ومن العبودية للأصنام والطواغيت إلى العبودية لله وحده، وبها يتم التحرر الكامل الشامل، ويتحقق الاعتماد الكلي في جميع الأمور على خالق الخلق، ورازقهم الذي يحيي ويميت:{وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.