والرسالات منذ البداية إلى النهاية، ألا وهي تصدي طائفة من البشر لمحاربة الرسل، والتشنيع عليهم، والتشهير بهم، ووصفهم بأقبح الصفات، حتى كأن خصوم الرسالات الإلهية يتواصون فيما بينهم عبر الأجيال بنفس الادعاءات، إذ يرددون على ألسنتهم دائما نفس الاتهامات، وإلى هذه الظاهرة الغريبة يشير قوله تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}، وإلى هذا المعنى نفسه يشير قوله تعالى:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}(فصلت: ٤٣).
وكَأَنَّ كتاب الله عندما ذكر خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام بهذه الظاهرة الغريبة التي واجهها جميع الأنبياء والرسل من قبله أراد أن يهدئ من روعه، ويخفف عنه وقع الاتهامات التي يوجهها إليه المشركون من قومه، ولذلك أتبعها بدعوته إلى تجاهل ما يوجهونه إليه من الأذى والتعنيف، والإعراض عنه كأنه لم يكن، فقال تعالى:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى متصف بصفة " الغنى المطلق "، فهو غني عن خلقه على الدوام، كما أن فيه إشارة إلى أن تحقق رعاية خالقه، وإحسان رازقه، كاف لأن يجعله مقبلا