وقوله تعالى:{فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، نفي قاطع لمزاعم المشركين والكافرين الذي ادعوا أنه قد تنزلت به الشياطين، إذ لا يتصور عاقل أن كتاب الله المصون في علمه، والمحفوظ بحفظه، يمكن أن تسطو عليه الشياطين من قريب أو بعيد، وهي على ما هي عليه من الرجس والخبث والشر والطرد من رحمة الله، وإنما تتنزل بكلام الله على رسله الملائكة الأبرار الأطهار، فهذه إحدى المهام السامية الموكولة إليهم، والمقصورة عليهم، ولذلك جاء التعقيب المباشر بقوله تعالى:{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وإلى هذا المعنى ينظر قوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}. (الشعراء: ٢١٠، ٢١١، ٢١٢).
ثم وجه كتاب الله الخطاب إلى المشركين المكذبين بالنشأة الآخرة والبعث والنشور، يستغرب تكذيبهم لما يقصه عليهم الحق سبحانه في كتابه المبين، ويستغرب جحودهم لنعم الله الظاهرة والباطنة، دون أي اعتراف بمنته عليهم، وذلك قوله تعالى:{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}، أي: مكذبون غير مصدقين، {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}، أي: بدلا من أن تشكروا الله، تكذبون كلام الله.
وتساءل كتاب الله عماذا سيفعلون عندما تبلغ الروح حلوقهم حين الاحتضار، وهم في منتهى العجز والحيرة والجزع والاضطراب والذهول، ينظرون ذلك المشهد الرهيب، دون أن