رسول الله صلى الله عليه وسلم الفيء على فقراء المهاجرين، فعاتب الله من تأثر منهم من ذلك التوزيع، وأمرهم بقبول أي نصيب يعطيه لهم الرسول من الفيء إن أعطاهم، وهذا هو معنى قوله تعالى:{وما آتاكم الرسول فخذوه}، أي: خذوا ما أعطاكم، كما أمرهم بعدم مطالبته بالفيء إن لم يعطهم شيئا، وهذا هو معنى:{وما نهاكم عنه فانتهوا}، إذ " الإمام " مفوض في توزيع الفيء تمام التفويض، وذلك قطعا لكل نزاع في هذا الشأن، وإلى مثل هذا المعنى ومثل هذا الموقف أشار قوله تعالى في سورة " التوبة "(٥٨): {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}.
ومن هنا ننتقل إلى سورة " الصف " المدنية، وإنما أطلق عليها هذا الاسم، أخذا من قوله تعالى فيها:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}، وهذه السورة تبتدئ بتسبيح الله وتنزيهه، على لسان العالم العلوي والعالم السفلي:{بسم الله الرحمن الرحيم سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ثم يتجه الخطاب فيها إلى فريق من المؤمنين يعدون ولا يفون بوعدهم، ويقولون ولا يلتزمون بقولهم، فينكر عليهم كتاب الله هذا الموقف المتناقض:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. وبينت الآيات الكريمة، للذين كانوا يتمنون الجهاد في سبيل الله قبل أن