أي: أنه سبحانه يحصي أعمالكم، ويراقب اختياراتكم، ثم يجازيكم عليها بما أنتم أهل له.
وعاد كتاب الله إلى التذكير بقدرة الله، والتنويه بحكمته، المتجلية في خلق السماوات والأرض، وفي تصوير الإنسان على أحسن صورة، وفي ذلك تنبيه للإنسان - ولا سيما إذا كان منحرفا عن الحق- إلى أن يعود إلى الله، ودعوة له إلى أن يتدبر آياته في الآفاق والأنفس، إذ لا فضل عليه لأحد سواه، فهو الذي خلقه أحسن خلق، وصوّره أحسن صورة، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه، وهو الذي يستحق أن يُحمد ويُشكر ويُعبد ولا يُكفر، لا سيما وأن منه كان البدء، وإليه ستكون العودة، وذلك قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
وقوله تعالى هنا:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}، يشير بالأصالة إلى تكوين الخلقة الإنسانية وصنعها في حد ذاتها، وإلى هندستها الفريدة بين المخلوقات، وإلى ما ميزها الله به من أجهزة ووظائف وخصائص جعلت الإنسان عموما " سيد الأحياء " المتفوق عليها جميعا، ولو كان شكل بعض أفراده دميما وغير جميل، فجمال الخلقة الإنسانية وكمال التركيب الإنساني لا يختلفان، بالنسبة لغيره من الحيوانات غير الناطقة، وإن كانت أشخاص الإنسان تتفاوت بعضها عن بعض في نسبة الجمال والتناسب.