وعقب كتاب الله على ذلك كله بدعوة الرسول عليه السلام إلى المزيد من الصبر على تحمل أذى المشركين الذي لا ينقطع، والمزيد من الصبر على القيام بأعباء الرسالة التي لا يثقل الكاهل مثلها شيء، لافتا نظره إلى أن لا يسلك مسلك أخيه نبي الله " يونس " عليه السلام، الذي تخلى عن حمل أعباء الرسالة عندما ضاق صدره وذهب مغاضبا لقومه، سائحا في أرض الله، حتى وجد قوما يركبون سفينة في البحر، فركبها معهم، وانتهى الأمر به إلى أن يلتقمه الحوت، ويحفظه في بطنه إلى حين، فنادى ربه وهو في بطن الحوت، {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(الأنبياء: ٨٧). فتداركه لطف الله، وألقاه الحوت في أرض عراء، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، ليأكل من ثمرها، ويستظل بظلها، وإذ ذاك فهم عن الله، وعاد إلى قومه وكان سروره بالغا عندما وجدهم قد اهتدوا بدعوته، وآمنوا برسالته، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}، فالمراد بصاحب الحوت هنا هو يونس عليه السلام كما سبق في سورة " الصافات ".
وتحذيرا من أن يفهم بعض المؤمنين من هذه الآيات الكريمة تنقيصا من قدر يونس عليه السلام نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إلى احترام مقامه وتوقيره، وعدم المفاضلة بينه وبين يونس،