ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، أي:" عليما " بنواياكم في أعمالكم وتصرفاتكم، " حكيما " في تيسير أسبابها والتصديق عليها إن كانت خيرا، أو في تعطيل أسبابها، والتعرض لها، إن كانت شرا، ولله الحجة الدامغة، والحكمة البالغة.
والآن فلننتقل بعون الله وتوفيقه إلى سورة " المرسلات " المكية أيضا، وهذه السورة الكريمة تتناول بالوصف مشاهد القيامة وأهوالها بالنسبة لجميع الأكوان، ولا سيما ما يتعرض له الإنسان، وكما سبق في سورة " الرحمن " التعقيب على كل نعمة من نعم الله بقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، وتكرر ذلك إحدى وثلاثين مرة، نجد التعقيب ها هنا على كل حجة وبرهان، من حجج الله القاطعة، وبراهينه الساطعة، بقوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}، ويتكرر ذلك عشر مرات، عقب مختلف الآيات.
وقد سجلت هذه السورة في مطلعها قسما غليظا بعدد من القوات المسخرة لله، المبثوثة في الآفاق، وهذا القسم ينصب على أن ما وعد به من قيام الساعة، والبعث، والحشر، والجزاء، واقع لا محالة، وإن كذب به المكذبون، وأنكره المنكرون، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}.
والمراد " بالمرسلات " هنا الرياح، بناء على ما يستفاد من