(علمني مما علمك الله)، وصادف أن رسول الله عليه السلام لم يجبه في الحين إلى ما طلب، لأنه كان في ذلك المجلس منهمكا في إقناع صناديد قريش بالإسلام، حرصا منه على استجابتهم لله ورسوله، وقياما بما أوجب الله عليه من تبليغ الرسالة وأداء الأمانة، ولا سيما لهؤلاء الذين لا يزالون على شركهم، والذين ينتظر أن يكونوا مددا جديدا للإسلام لو دخلوا في دين الله، أما عبد الله بن أم مكتوم فقد كان إذ ذاك مؤمنا بالله ورسوله، بل مؤذن رسول الله الثاني بعد بلال، مؤذنه الأول.
وعما حدث بهذه المناسبة يتحدث كتاب الله فيقول:{بسم الله الرحمن الرحيم عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}، إشارة إلى مجيء عبد الله بن أم مكتوم وانضمامه إلى مجلس الرسول عليه السلام، والرسول مستغرق في عرض الإسلام على أولئك النفر من صناديد قريش، وإلى تأثر الرسول عليه السلام من قطع ابن أم مكتوم عليه حديثه معهم، ومن إلحاحه عليه أن يعلمه فورا بعض آيات الذكر الحكيم، بينما كان في إمكانه أن ينتظر، إذ هو مؤمن أولا، ومرافق للرسول وفي صحبته دائما.
وبعد هذا العتاب الإلهي المسوق في صيغة الغائب:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}، تخفيفا من وقعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول عليه السلام وجها لوجه، قائلا له:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}، وفي هذا النص بيان لأولوية ابن أم مكتوم ومن كان في معناه من المؤمنين، الراغبين في المزيد من العلم والمعرفة بالدين.