للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذا الموقف المفاجئ والمربك الذي وقفه المنافقون يوم أحد من أول لحظة، بعدما بيتوه فيما بينهم لبث البلبلة في صفوف المسلمين، وإضعاف روحهم المعنوية أمام المشركين، هو الذي يشير إليه قوله تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.

وفي هذا الجو المكهرب والمثقل بالغيوم يتوجه الخطاب الإلهي إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صيغة ملؤها الرضى والتنويه: الرضى عن موقفه المدهش من المعركة العسكرية التي شنها المشركون " وهم العدو الخارجي " ومن المعركة النفسية التي شنها معهم المنافقون " وهم العدو الداخلي " والتنويه بما أتاه الله من لين العريكة وعفة اللسان، ومن رقة القلب وثبات الجنان، وتبيين ما لهذه الشمائل المحمدية التي أكرمه الله بها من تأثير عميق في تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفوفهم في السلم والحرب، وذلك قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

ثم توجه الحق سبحانه وتعالى إلى نبيه يأمره بالعفو عمن أساء، وبالاستغفار لمن أذنب، {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.

وأخيرا أراد الله أن يسن للأمة الإسلامية من بعد رسولها سنة قائمة، هي مفتاح نجاحها، وعنوان فلاحها أمد الدهر، ألا وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>