عجائب المخلوقات، فقد ميزها الله تعالى على غيرها بعينين وأذنين ومنخرين لا يوجد لهما نظير عند بقية الحيوانات، لا في شكلهما ولا في وظيفتهما، كما زودها بقوائم طويلة وأقدام منبسطة جعلت منها " سفينة الصحراء " التي تنقل الإنسان وتحمل الأثقال، على امتداد العصور والأجيال مع استغنائها عن الماء لمدة شهرين متتاليين في فصل الشتاء وتحملها وطأة العطش في فصل الصيف، وحملها لكتل من الشحم في سنامها فوق ظهرها، دفعا لغائلة الجوع عنها، وضمانا لاستمرار سيرها.
وخُتمت سورة " الغاشية " بخاتمة تريح ضمير الرسول عليه السلام، وتحدد مهمته في الاقتصار على تبليغ الرسالة إلى الخلق، وإقامة الحجة عليهم، حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وذلك قوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} على غرار قوله تعالى في آية ثانية: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}(ق: ٤٥)، وقوله تعالى في آية ثالثة:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}(الرعد: ٤٠)، وفي ذلك تخفيف عن الرسول ومواساة له من ربه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحزن حزنا شديدا عندما يرى الضالين مصرين على ضلالهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى في (سورة الشعراء: ٣): {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
ولننتقل الآن إلى سورة " الفجر " المكية أيضا، وفي مطلع هذه السورة قسم عظيم بأوقات العبادات، وأنواع من القربات،