للتفسير الأول - وهو الذي رجحه ابن جرير- قوله تعالى في آية أخرى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}(الإنسان: ٢، ٣).
وقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}، حض من الله لعباده المؤمنين على مغالبة أنفسهم، والتغلب عليها بسلوك طريق النجاة والخير. والمراد " باقتحام العقبة " اقتحام الحواجز النفسية والمادية، التي تحول دون الإيثار والبر والإحسان، والإقبال على الإنفاق في سبيل الله، ومن وجوه الإنفاق الصالحة: المساعدة في عتق الأرقاء، وكفالة اليتامى، وإطعام المساكين.
وبين كتاب الله أن مما يساعد على اقتحام العقبات والتغلب عليها: الإيمان بالله، والتواصي فيما بين المؤمنين " بالصبر والمرحمة ": الصبر على القيام بالتكاليف التي تعزز الإيمان، وتجعل المؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والمرحمة التي تجعل من مجتمعهم مجتمعا تسوده الرحمة ويعمه الإخاء، ويبرز فيه التكافل بين كافة الفقراء والأغنياء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}، ثم بشر كتاب الله الذين آمنوا، وبرزت في أخلاقهم ومعاملاتهم روح الإيمان، بأنهم سيكونون يوم القيامة من أصحاب اليمين المنعمين، {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، وأنذر الذين