يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (آل عمران: ٩)، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}، أي: وأما من رجحت سيئاته على حسناته، فخفت كفة الحسنات في ميزانه، فالنار هي أمه ومأواه كما قال ابن زيد وقتادة، وبذلك يكون قوله تعالى هنا:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}، تفسيرا قرآنيا " للهاوية "، ولتصور ما عليه النار من درجة الحرارة، أعاذنا الله منها جميعا، يكفي أن نعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها:" نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم "، رواه البخاري وأحمد.
ولننظر الآن في تفسير سورة " التكاثر " المكية، مستعينين بالله، وهذه السورة يدور الحديث فيها عن استغراق الغافلين، في شؤونهم المادية، ومصالحهم الشخصية، حتى يدركهم الأجل، وهم لم يتزودوا لآخرتهم بأي زاد من العمل الصالح، وفيها تأكيد للخلق، وتعريف لهم بأنهم سيسألون يوم القيامة عما آتاهم الله من فضله، وسيحاسبون على النقير من نعمه والقطمير، وذلك قوله تعالى بعد البسملة:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، أي: ألهاكم الانهماك في التفاخر والتكاثر من الأموال والأولاد عن طاعة الله، وأداء حقوقه وحقوق خلقه، {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}، أي: حتى أتاكم الموت ودفنتم في القبور، دون أن تقدموا بين أيديكم ما ينفعكم عند الله.
والتعبير هنا بلفظ " زرتم المقابر " دون التعبير مثلا " بسكنتم المقابر " فيه إشارة واضحة إلى أن إقامة الإنسان في قبره بعد الموت إنما هي مجرد إقامة مؤقتة، شبيهة بالزيارة أياما معدودة،