في خطاب المؤمنين {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا}.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}.
وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار