لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ}، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}، وقوله تعالى في سورة الدخان- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} إعرابا عن خوفهم من عقابه،