ثم عاد كتاب الله إلى توجيه الخطاب لأهل الكتاب لإقامة الحجة عليهم، داعيا إياهم إلى الإيمان برسالة القرآن، محذرا لهم من عقاب الله لهم بطمس وجوههم وجعلها من قبل أقفيتهم، وردهم على أدبارهم، أو لعنتهم كما لعن الله أصحاب السبت من قبلهم {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}.
وقررت الآيات الكريمة إثر ذلك مبدأ إسلاميا جوهريا لا تسامح فيه ولا تنازل عنه، هو أن الشرك بالله ذنب عظيم لا يمكن أن يغفره لأحد من خلقه، وأن غيره من بقية الذنوب يمكن أن يكون محلا للمغفرة بإذنه ومشيئته {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
واتجه الخطاب الإلهي مرة أخرى إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، متحدثا إليه عن أولئك المتبجحين المداحين الذين يزكون أنفسهم بأنفسهم بمختلف وجوه التزكية، حيث يترفعون على غيرهم، ويعتبرون الغير أقل منهم درجة ومقاما بالنسبة للحياة الدنيا وللحياة الآخرة أيضا، ومنبها إلى أن التزكية الحقيقية بالأفضلية والأسبقية إنما تكون بأمر الله ومن عنده، وما عداها من التزكيات الشخصية والملفقة، إنما هو محض كذب على الله ومجرد افتراء على الناس {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
واستمر الخطاب الإلهي متجها إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، لافتا نظره إلى أمر مستغرب جدا من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، إذ هو على خلاف ما كان ينتظر منهم طبقا لإدعاءاتهم، ذلك أنهم