مسيرة لها، بارزة في جميع جنباتها، وإلا نزع الله يده منهم، ووكلهم إلى أنفسهم، وسلط عليهم النقمة، بدلا من النعمة، وفي هذا المعنى جاءت آيات كريمة أخرى تزيده وضوحا وبيانا، وذلك قوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أي وما ذلك عليه بممتنع، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
وتعود الآيات الكريمة في هذا الربع إلى الحديث عن العدل المجرد من الهوى، والشهادة الخالصة من الزور، مبينة ما يجب أن يكون عليه المؤمنون المحكومون والحاكمون، في شؤونهم الخاصة والعامة، من العدل في أحكامهم، والصدق في أقوالهم، والإخلاص في أعمالهم، داعية إياهم إلى نسيان القرابات الحاملة على التحيز للأقرباء، وإلى نسيان الخصومات الحاملة على التحيز ضد الخصوم.
وطالب كتاب الله كل مؤمن أن يأخذ الحق لغيره من نفسه، وأن يقول كلمة الحق ولو على نفسه، وألزم المؤمن بأن لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولو كان الأمر يتعلق بالوالدين، إذ لا علاقة للبرور والعقوق، بما على الوالدين لغيرهما من الحقوق.
ونبه كتاب الله إلى أن ميزان الحق والعدل يجب أن لا يؤثر في رجحان كفته أو انخفاضها ما يتأثر به ضعاف الناس من المؤثرات العاطفية، والاعتبارات الشخصية والاجتماعية، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا