الكرة للعمل من جديد، في غيبة موسى، على إقامة صنم يعبدونه كما يعبد غيرهم من المشركين مختلف الأصنام والأوثان.
ونظرا لما تعودوا عليه في مصر الفرعونية التي كانوا فارقوها منذ عهد قريب من مشاهدة وعبادة المعبودات الوثنية، وفي طليعتها " العجل أبيس " الذي كان عند قدماء المصريين أهم معبوداتهم الحيوانية، باعتباره ممثلا لإلههم " فتاح " على سطح الأرض، فقد فكر بنو إسرائيل في تقليدهم، واتخذوا لهم صنما من الذهب على صورة العجل الذي طالما رأوه يعبد من دون الله. وليعطوه مظهر العجل الحقيقي حتى يتم التشابه بين عجلهم وعجل قدماء المصريين، صنعوه على هيئة خاصة تجعل له خوارا كخوار العجول الطبيعية، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ويتصل بهذا المعنى قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} وقوله تعالى أيضا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} الآية.
وتذكر كتب التاريخ القديم أن قدماء المصريين كانوا يختارون لعبادتهم عجلا أسود الجلد، بشرط أن تكون على جبهته غرة مثلثة الشكل، وأن اليوم الذي كانوا يجدون فيه عجلا بهذه الأوصاف