جلده، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} أي استحوذ عليه وجعله تابعا ومطيعا له طاعة عمياء {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} أي من الحائرين الهالكين: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} أي أنه بدلا من أن يرتفع إلى أعلى الدرجات، بما أكرمه الله به من الآيات، تنكب طريق الرفعة، واختار لنفسه السقوط إلى الحضيض، والنزول إلى أسفل الدركات، وقوله تعالى:{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} فهواه عنده هو الدين المتبع: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} وما أهون على الله وعلى الناس من يصفه كتاب الله بهذا الوصف المشين: {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} أي أنه إذا زجر لم ينزجر، وإذا أهمل لم يعتبر، وهذا المعنى قريب من قوله تعالى في آية أخرى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
ثم عقب كتاب الله على ما وصف به المذبذبين الذين تعرضوا للسلب بعد العطاء من وصف مثير فقال تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وبين كتاب الله أن هذا النوع من الخلق هم أقبح مثل بين الناس، لأن الأفكار الخبيثة التي ينشرونها، والطرائق الفاسدة التي يسلكونها، تفعل بأتباعهم المخدوعين، ما لا تفعله الأوبئة والطواعين:{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}.
وقوله تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} معناه أن من رضي لنفسه أن يهتدي بهدى