الله واستعمل ما وهبه الله من ملكات ومواهب استعمالا رشيدا، واتجه بها كلها اتجاه خير وتقوى وصلاح كان مهتديا وفائزا حقا وصدقا، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ومن أعرض عن ذكر ربه واستعمل ما وهبه الله من ملكات ومواهب استعمالا سفيها، واتجه بها كلها اتجاه شر وفسق وفساد كان ضالا وخاسرا، أولا وآخرا، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى:{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} وعلى مثل هذا الصنف يصدق قوله تعالى في أواخر هذا الربع: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
ونبه كتاب الله في سياق حديثه عن كثرة أهل النار من أين تتكون، إلى أن الحكمة الإلهية فيما آتاه الله للإنسان من حواس لطيفة متنوعة، وأجهزة دقيقة مختلفة، هي أن تكون نوافذ له يطل منها على الحقائق التي تحيط به من حوله، فإن لم يستعملها للملاحظة والتجربة، وإن لم ينتفع بها في التدبر والاعتبار، واستقصاء حقائق الأشياء القريبة والبعيدة، الحاضرة والغائبة، لم يختلف عن الحيوانات العجماء في شيء، بل إنه ليكون أقل منها درجات وأضل سبيلا، إذ إن الحيوانات العجماء - بحكم ما غرز الله فيها من غرائز بسيطة - تؤدي جميع المهام الموكولة إليها في حدود إحساسها الغريزي على أحسن وجه، وهي لا تعرف أي انحراف عنها أو انصراف، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ