وإلى وصف هذه الحالة وما ماثلها يشير قوله تعالى هنا:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} والتغشي هنا كناية عن المباشرة، وهو تعبير منسجم مع قوله تعالى في آية أخرى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}{فلما أثقلت} أي صارت ذات ثقل بحملها: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} أي الزوج والزوجة {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} أي لئن أعطيتنا بشرا سويا ووليدا غير مشوه {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} أي أعطاهما الله مولودا سليما كما طلبا {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} أي نسيا الله تعالى، ونسبا نجاح الحمل ونجاح الولادة إلى غير الله من الأصنام والأوثان، أو إلى غير الله من أهل الصلاح المشهورين بين أهل الملل والأديان:{فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. ويتصل بهذا الموضوع قوله تعالى في هذه السورة:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى في سورة لقمان:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
وبعدما لقن كتاب الله خاتم أنبيائه ورسله حججه البالغة ليقارع بها الشرك وأهله، ويبطل بها أباطيلهم وأضاليلهم من أساسها، عاد إلى رسوله بالمواساة والتوجيه، ليثبت فؤاده على الحق، وليسلك به مسالك الأناة والصبر، وليمده بمدد روحي جديد يستعين به على تحمل الأذى، ومواجهة الجفاء، فقال تعالى مخاطبا لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا