يؤدي إلى حياتهم، من حيث لولاه لقتلهم الكفار، فهم كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ويحتمل: إذا دعاكم للأمر الذي يؤدي به إلى حياة الأبد والثواب. وقال أبو بكر {ابن العربي}: " قوله تعالى {لِمَا يُحْيِيكُمْ} ليس يريد حياة المشاهدة والأجسام، وإنما يريد به حياة المعاني والقلوب، بدعائه إياهم إلى الإسلام، والقرآن، والحق، والجهاد، والطاعة، والألفة ".
وليعطي كتاب الله شاهدا حيا على صدق محتوى هذه الآية الكريمة، وعلى كون الدعوة الإسلامية كانت فعلا نقطة الانطلاق لإقامة حياة عزيزة الجانب موفورة البركات، جاء قوله تعالى في هذا السياق بعد بضع آيات:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمن القلة إلى الكثرة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الأمن، ومن الحجر إلى الرشد، ومن الضيق والخصاصة إلى السعة والغنى عن الناس، ومن الانكسار إلى الانتصار.
والتعبير هنا بقوله تعالى:{تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} تعبير حقيقي ينطبق على الواقع، فقد كان عدد المسلمين في بداية أمرهم بمكة أقل من القليل، وهم لا يتجاوزون بضع عشرات، وكانوا كالنقطة البيضاء في جلد الثور الأسود، إذ ليس في العالم باستثنائهم إذ ذاك إلا مشرك أو مجوسي أو يهودي أو نصراني، والكل يحوك لهم الدسائس، ويتربص بهم الدوائر، وينتظر لهم أسوأ مصير، فلم تمض إلا سنوات معدودة حتى نصر الله عبده، وهزم