وتأكيدا لهذا المعنى وتركيزا له في الأذهان قال تعالى مخاطبا لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فهو من جهة أولى يمتنع من أن يعبد آلهة لا يؤمن بوجودها فضلا عن أن يؤمن بأحقيتها للعبادة، وهو من جهة ثانية لا يترك دينه الذي وثق به كل الثقة واطمأن إليه كل الاطمئنان، من أجل أن الآخرين لا يزالون يشكون في صحته، فشك الشاك لا يبطل إيمان المؤمن ولا يؤثر عليه، لكنه من جهة ثالثة لم يفرض على الشاكين أن يؤمنوا بدينه قهرا وجبرا، وإنما لفت أنظارهم إلى أن الله الذي يعبده هو وحده الذي بيده أرواحهم، وهو الذي يتوفاهم متى شاء {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وزيادة في تأكيد مبدأ حرية الاعتقاد، وضمان هذه الحرية، بعد القيام بواجب الدعوة، وعلاوة على مضمون الآيات السابقة، وجه الحق سبحانه وتعالى في ختام هذه السورة -سورة يونس المكية- خطابه إلى نبيه ملقنا ومعلما له ولأمته {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}.
ويتفق مع هذا قوله تعالى في آية ثانية:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية: ٢١، ٢٢] وقوله تعالى في آية ثالثة: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}[الرعد: ٤٠].