ولما ضاق كبار قوم نوح ذرعا بدعوة نوح، ورده المفحم، وجداله القوي، أخذوا يتحدونه ويطالبونه بتعجيل ما أنذرهم به من عذاب الله، كدليل محسوس على صدقه في دعوته إن كان صادقا، فأجابهم بأن أمر ذلك موكول إلى الله يأتي به إن شاء ومتى شاء، مبينا لهم في نفس الوقت أنهم ما داموا قد أقفلوا جميع منافذ النور الإلهي إلى قلوبهم لم تبق فائدة في نصحهم، ولا أمل في إيمانهم، وذلك قوله تعالى حكاية عن كبار قوم نوح:{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} أي إن لم تنتفعوا بما وهبكم الله من وسائل الفهم وطرق الهداية: {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وتحدث كتاب الله عن المرحلة الأخيرة من حياة نوح مع قومه، وأن الله أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فلا أمل في إيمان الباقين، وأنه سيعذب كفار قومه بالغرق، ويسلط عليهم الطوفان، وأن عليه أن يصنع سفينة ينجو فيها بنفسه وأهله، وبمن آمن معه، وكان عددهم قليلا. وأمر الله نوحا أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين ذكرا وأنثى، وتقول الأخبار: إنه حمل في سفينته نماذج من الحيوانات والحشرات والنباتات، وظن نوح أن ابنه داخل في عداد أهله، فنزل عليه الوحي باستثنائه منهم لكفره، إذ بقي مصرّاً على دين قومه، مثل أمه، فلم ينفع امرأة نوح كونُ الرسول زوجا لها، ولم ينفع ابنَ نوح كونُه