جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم {نَاقَةُ اللَّهِ} مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان (ناقة صالح) أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل {نَاقَةُ اللَّهِ}، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف: ٧٧]. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز:{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}، فعقروها فقال:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}.