الإيمان بعقيدة واحدة، والسير في طريق واحد، لو كان يريد أن يخلق الناس على نمط الطبيعة الآلية المجردة، لو كان يريد أن يحرمهم من أخص خصائص الإنسان، التي هي خصيصة التمتع بالإرادة والحرية، وبملكة التفكير والتقدير والاختيار، لكنه سبحانه خلقهم أناسي مجهزين بعقل وتفكر، وإرادة واختيار. والنتيجة الطبيعية لخلقهم على هذه الصورة هي اختلاف منازعهم، واختلاف مشاربهم، واختلاف اختياراتهم، وتبعا لذلك اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، وتعدد مللهم وأديانهم، وبهذا التفسير يتضح معنى قوله تعالى هنا:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي خلقهم على صورة خاصة ميزهم بها عن بقية الحيوانات، وهذه الصورة تقتضي بطبيعتها أن تختلف آراؤهم، فالخلاف مآلها، لأنه أثر من آثارها، ومن هنالك كان في الناس شقي وسعيد، ومؤمن وكافر {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى: ٧].
وقوله تعالى هنا:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق: من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.
وقوله تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} خطاب من الله لرسوله يتضمن حكمته فيما يقصه