وقال ابن عباس:" رؤيا الأنبياء وحي ". وقد تكلم المفسرون على تعبير هذه الرؤيا فقالوا إن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوة يوسف، وكانوا أحد عشر أخا سواه، والشمس والقمر عبارة عن أمه وأبيه، ووقع تفسير هذه الرؤيا بعد أربعين سنة، وذلك حين رفع يوسف أبويه على العرش -وهو سريره الذي كان يجلس عليه لمباشرة شؤون الدولة -وإخوته بين يديه {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}.
وقوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} دليل على معرفة يعقوب بتأويل الرؤيا، وأنها ترمز إلى ظهور يوسف على إخوته وتقدمه عليهم، ولذلك نهى ابنه يوسف عن ذكرها لإخوته، وأمره بكتمانها عنهم، خوفا من أن يحتالوا للقضاء عليه والتخلص منه.
وخوفُ يعقوب من كيدهم إما أن يكون مبنيا على حكم العادة الشائعة بين بعض الإخوة وبعض الأقرباء إذا كانوا غير أشقاء، وإما أن يكون مبنيا على شعوره بغيرة إخوته منه وكرههم له، نظرا لشغف أبيه به دونهم. أما يعقوب نفسه فلم يبال بما ترمز إليه الرؤيا من علو مقام ابنه يوسف، لأن الأب يود عادة أن يكون ابنه خيرا منه، ولا يضيق بذلك صدرا. قال ابن كثير: " ومن هنا -أي من قوله تعالى:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} -يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث {استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود}.