للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من فرط الدهشة وشدة الإعجاب {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} تنزيها لله وتعجبا من قدرته على خلق مثل يوسف {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي طلب العصمة وامتنع مما أردته منه {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي يعامل بالصغار، والإهانة والاحتقار {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. يقال صبا يصبو إذا مال إلى الشيء {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وقول يوسف هنا فيما حكاه عنه كتاب الله {السِّجْنُ - أَحَبُّ - إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} لا يقصد من قوله {أَحَبُّ} المعنى الحقيقي للتفضيل، وإنما هو وارد هنا على غرار قول القائل: " الجنة أحب إلي من النار، والعافية أحب إلي من البلاء ".

إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أخذ خبر امرأة العزيز يزداد انتشارا، ورأى العزيز وصحبه أنه لا بد من اتخاذ تدبير زجري ضد يوسف، ولو كان هذا التدبير تدبيرا ظالما، وذلك دفاعا عن شرف امرأة العزيز، وصرفا للأنظار عنها إلى تثبيت التهمة في يوسف، رغم براءته عندهم وعند الله، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}.

ومن حِكَم الأقدار أن يوسف دخل السجن معه فَتيان آخران، وكلاهما من فِتيان قصر الملك، وكانا يصحبانه ويرافقانه

<<  <  ج: ص:  >  >>