فلو رأيت حلب وقد أشرفت على سوء المنقلب. ووضح بجامعها مزوق وأماكن وتعلمت منارته باب الإماله وتحريك الساكن. فلولا بركة النداء فيها لرجمت ولكن الله سلم، فسلمت. انتفع ما يليها بشرف التذكير. وسلم جميعها الصحيح من (١٤ ظ ف) التكسير. ولو رأيت القلاع والحصون وقد أزالت الزلازل منها كل مصون:
طارت لقلع القلاع زلزلة ... ما خشيت رأسا ولا صايد
إذا رأى الحصن من رماه بها ... خزله من أساسه ساجد
ولو رأيت منبج منبت كل سري، ومهب الريح السحري، وهي لشدة الطمس كأن لم تغن بالأمس، وقد كسف «٢» الرمل منها كل بدر وشمس. وليس وفاتهم بالردم نقصا لقدرهم. ففي الشهداء صاروا:
وما في بسطوة الخلاق عيب ... ولا في ذلة المخلوق عار.
فوا أسفا عليها من مدينة جليلة أصبحت دفينة. وكانت الألسن عن وصفها كليلة.
غشيها قتر «٣» وظلمة، وركبتها ريح سوداء مدلهمة.
هلكوا هم وديارهم في لحظة ... فكأنهم كانوا على ميعاد.
نبشوا وأوجههم تضيء من الثرى ... مثل السيوف بدت من الأغماد.
وقال ابن حبيب معرضا بمن خرج إلى بر حلب خوفا من الزلازل «٤» :
يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا ... وتباعدوا لما رأوا زلزالها