ثم تضاعف الارتفاع، وتشتت شمل القوم بعد الاجتماع، ففرقوا شذر مدر، وضجوا عند خلو السّفر إلى السفر، وذاقوا عذاب الجوع. ونأو [ا] عن الهجوم والهجوع. وانكشف الستر وانهتك الحجاب، وأقدموا على أكل الميتة والقطاط والكلاب. كيف لا وقد بلغ المكوك «١» من القمح إلى ثلاثمائة درهم وزيادة. وانخرط الباقي من الأقوات والمطعومات من نسبة هذا السعر الذي لم يسمع مثله في بلاده، ولم تبرح الأحوال حائلة، والمسرات زائلة، ومسألة «٢» الجدب عايلة، وعيون المستهلين بالأدعية كألسنتهم سائلة. إلى أن منّ الله في أواخر السنة برحمته. ومحا (١٧ و) ف ظلام ليل نقمته، بضياء نهار نعمته، وقابل الشدة بالرخاء والسؤال بالجواب، يمحو الله ما يشا [ء] . ويثبت. وعنده أم الكتاب
ومنها:
في سنة سبع وثمانين وسبعمائة «٣» وقع بحلب فنا [ء]«٤» توفي فيه خلق كثير وصل عدة الموتى فيه كل يوم إلى نحو الألف «٥» . وفيه يقول طاهر بن حبيب في ذيله على تاريخ والده:
«.. وفيها حصل بحلب فناء عظيم دوت به الأفنان، وموت ذهبت فيه نفوس كثيرة من الشبان والولدان. وطاف بأركانها وسعى، ورعى حول حماها ثم رتع فيها وما رعى.
وأطلق عقاله وثار، وأثار نار حربه، وفتك فتك من له ثار، ودخل المدينة على حين غفلة، وأدخل الحزن لحزن الديار وسهلها. وركب الشهباء وجال، وألحق في حلبتها النساء بالرجال، وأقامهم في مقامها وأصدت نفوسهم إلى الحمام بلجامها.