قلت: قد سمع من عبد المنعم الفراوي تلك الأربعين السباعية. وروى (٥٣ ظ) ف عنه الصدر البكري وغيره. ورأيت له المزارات والمشاهد التي عاينها في البلاد.
ومن المواعظ التي على تربته؛ من كلامه «١» :
قل لمن يغتر بالدنيا وقد طال عناه ... هذه تربة من شيد هذا وبناه
طالما أتعبه وقد هدّ قواه ... طلب الراحة في الدنيا فما نال مناه
سلكت القفار. وطفت الديار. وركبت البحار، ورأيت الآثار، وسافرت البلاد، وعاشرت العباد. فلم أجد صديقا صادقا. ولا رفيقا موافقا فمن قرأ هذا الخط فلا يغتر بأحد قط «٢» ابن آدم دع الاحتيال فما يدوم حال. ولا يغالب التقدير، فلن يفيد التدبير، ولا تحرص على جمع مال. ينتقل إلى من لا ينفعك شكره ويبقى عليك وزره، سبحان مشتت العباد في البلاد، وقاسم الأرزاق في الآفاق. هذه تربة الغريب الوحيد علي بن أبي بكر الهروي عاش غريبا ومات وحيدا، لا صديق يدينه، ولا خليل ينعيه، ولا أهل يرونه، ولا إخوان يقصدونه، ولا ولد يطلبه، ولا زوجة تنادمه، أنس الله وحدته، ورحم غربته.
وهو القائل:
طفت البلاد مشارقا ومغاربا ... ولكم صحبت بسائح وحبيس
ورأيت كل غريبة وعجيبة ... ورأيت هولا في رخاء وبؤس
الطعم يذل الأنفس العزيزة، ويستخدم العقول الشريفة. وعلى قبره «٣» :
«يا عزيز ارحم الذليل، يا قادر ارحم العاجز، يا باقي ارحم الفاني، يا حي ارحم