أهلها من استمر على مقاومة التتار، وخرق جيوبها بخارق العادة ونودي على بيوتها بالخراب فلم تكن تحمل الزيادة، وفوض بالهدم تلك الأماكن وعرض (١١٣ ظ) ف بالجزم على تحريك الساكن، ورفع من أبوابها ما كان مبنيا على الفتح، وأزال شكل محاسنها بمحو كل رسم، وهبوط كل سطح، ودار حول كل دار فالتقى الماء على أمر قد قدر، وانحدر نحو بساتينها ولم يقلع عن قلع أشجارها وهو كما قيل السيل المنحدر، واقتحم تلك البيوت يقلعها بعروضه وأوجب قلبها إذ سيق «١» القضاء وتقوس قوس الهلاك بقروضه، فكم قصر حاز عليه المد إلى الغاية، وبحث عن (١٠٧ ظ) م إدراك نهايته فلم يحفظ له نهاية. كم عامر رخم فعام فيها، فأعلن الهدم سرائرها، وأظهر خافيها، وهلك من الرجال والنساء والأطفال عدة، وكابد من تلك الأموال والأحوال كل شدة، وساقهم الحين إلى موارد الهلكة واعنف في سوقهم، وأصبحوا وتلك المياه من تحتهم. وخر عليهم السقف من فوقهم واختطفتهم أيدي المنية وهي تجري بهم في موج كالجبال، وأحاطت بهم البلية، واتسع الخرق وضاق المجال، ودخلت عليهم الأمواج من كل باب، وهي نوح بعد فوح، وكم والد رام خلاص ولده فحال بينهما الموج، ولحقت أرواحهم بذي الفضل والامتنان، إذ غلق عنهم باب الفرج وفتح لهم باب الجنان:
عليهم سفح جوشن بات يبكي ... لما لا قوه من نكد وضر
وزاد بكاؤه والنوح حتى ... رأيت عيونه بالفيض تجري
واستمال ذلك السيل قلب كل جدار فقوى إليه ميله، وبالغ في ذلك حتى ما بلغ العرم سيله، فكأن بقية الطوفان طافت بتلك الأرض وسعت لتقابل مبرم ذلك