وكان رحمه الله غواص بحر العربية، وقناص فرائدها السنية.
يستخرج المعارف من لججها، ويقتنص بكر اللطيفة من هودجها.
انتهت آدابه إلى القطب فكان عليه المدار، ووصلت إلى الشهب فحق بها الافتخار. فكل دار به محلال، متوشح بالوقار والإجلال. فكمالاته السارية منشورة، وافضالاته السائرة غير مستورة. وإفاداته الجارية في الأنام مشهورة. قرأت عليه في الصغر واستقصيت منه الأثر، وأحييت بمكارمه ما دثر، فكان كالمطر، في كل ما قطر، وهو كالقمر، في كل السمر، فخذ ما بهر، من كل ما نثر. وذلك أي تحصيلي منه، وأخذي عنه، قبل وقوع الوحشة، وحصول الدهشة. إذ قد جرى بيننا أكدار، واتفق لنا معه بعد ونفار، يحير النظار، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار أتعبني وكالهدف نصبني. سامحه الله، إذ بعدها صفا، وبحق القرابة وفى، وقد كنت له ظهيرا، وما ذكرت فيه إلا شيئا يسيرا، وما أبهمت تفسيرا. هذا وأنا ساعده، وبعد القطع مساعده.
وكنت يمينه، وفي أسراره أمينه. قسما بسبقه، ومقدم حقه، أني بعد ذلك الكدر، والأمور التي ظهرت بها العبر، لم أتغير عن خلوصه، ولم أزل أزين صحائف آدابي بنصوصه، وبجواهر فصوصه.
فما يخبرك عن تلك الموارد، وينبؤك عن كيفية تلك المعاهد، ما وقع بيننا في تلك الأيام، من محاورات الكلام، وتحريرات رسائل وجواب، على طريق الإصابة ونهج الصواب.