وقرأ الطب والتشريح على المهرة الحذاق. ففاق على أقرانه، وصار داود زمانه، وغلب عليه دون غيره من العلوم. وكان له اليد الطولى، والباع البسيط، والقدم الراسخ في العلوم العقلية لا سيما الغريبة منها، فما يفوته منها نوع، بل جمع الالهي والرياضي والطبيعي، وضم الحساب الى الهندسة، والجبر والمقابلة، والزيج والوفق والجفر وغير ذلك. وكان عزيز الجاه عند الملوك والاكابر، طبيب امراضهم، ومدبر أمزجتهم ومصلحها. يصدرون عن رأيه في مأكلهم ومشربهم. وقصده المرضى من البلدان لحفظ الصحة واستجلابها. وغزرت عليه الخيرات، وأقبلت عليه الدنيا. وكان كثير الخيرات، محبا للصدقات، سلس القياد، لين العريكة، محمود المشهد والمغيب. وعامة اطباء بلدنا ونواحيها اخذوا عنه الطب بواسطة وبدونها ومنهم الطبيب الحاذق محمد أمين السابق ذكره. وله مداعبات ولطائف مشهورة، فمنها ما يحكى عن بعضهم انه سأله عن تاريخ مولده فقال: تاريخي نغل. فقال بعض الحاضرين: انا ولدت سنة احدى وثمانين والف، فقال: أنت أنغل. وصلى التراويح مع رجل كان يصليها بسرعة من غير اكمال الاركان وتطويل القراءة، فجعل كلما صلى شفعا خلع ثوبا، حتى بقي بسراويله. فقاله بعض الحاضرين: ما شأنك! فقال: أخفف عني لا لحق امامكم اذا طار. (ثم أورد له بعض شعره وهو مذكور في الروض النضر) وقال بعد ذلك: «توفي سنة اربع وستين ومائة والف. وقام ولده أحمد مقامه في الطب والعلاج ولطف المحاضرة والمداعبة وشارك أهل الفنون في متاجرهم وساجلهم، وناظر وعارض. وله شعر موزون. وفيه خلاعة ومجون. مات في العشر التاسع من المائة الثانية سنة تسع وثمانين ومائة والف، وقد ناهز الستين» وترجم له صاحب الشمامة (٢١٥ - ٢٢٤) وذكر له من الشعر ما ذكره صاحب الروض.