وكان ملازما لعلي العمري المفتي، فكان يصلي به الأوقات. ومن ظرافته ما يحكى عنه انه صلى يوما بهم فلما سلم قيل لعلي المفتي: انه سكران. فقال علي المفتي للجماعة: اعيدوا صلاتكم فان امامنا سكران. فالتفت بسرعة وقال: اي صلاة صليتها بكم وانا غير سكران منذ اربعين سنة» ثم قال بعد ان اورد له مقطوعتين من الشعر، «مات سنة اربعين ومائة والف.» وترجم له المرادي في سلك الدرر (٢: ٧) فقال، «جرجيس الاديب الموصلي الشيخ الفاضل كان في سرعة انشاء التاريخ من معجزات الادب ونادرة العرب، وكان له فضل وفصاحة وبلاغة، وفيه مجون ومحاضرة لطيفة. رقيق الطبع انيق النظم، حسن المعاشرة، لطيف المباحثة والمناظرة. في كل فن له دخول والى كل ذروة وصول. وله مجون انيق، ونزاهة ظريفة. وربما طلب منه التاريخ باسم معين فيقول الشرط فلا يخطئ العدد. ودخل حلب فاجتمع بأدبائها، وتطارح مع فضلائها. وقال له يوما بعض الافاضل: اريد أن اشوشك، فقال: يا سيدي فرجني. وهذا يسمى في البديع بالاسلوب الحكيم. وتوفي في سنة احدى واربعين ومائة والف. وترجم له الغلامي في شمامة العنبر (٢٠٥ - ٢١٥) فقال عنه فيما قال «امام في الشعر تقتدى به الامثال وليس له في الهزليات مثال. قام لسعر الشعر في ايامه خير سوق، وعكفت عليه ابناء الأدب فدارت محاسنه بينهم على سوق. حتى كان له في ايامه طنة ورنة وصولة وجولة. كانت اليد الطولى في نظم تاريخ الهجرة، والخط الأوفى الأوفر منه ببداهة الفكرة، حتى أجمع اهل الأدب من بني الحدباء على انه اعلى من انشا تاريخا وأرخ انشاء. نعم انه اعلى وأملى وأجلى وأحلى، واشعر اقرانه بعد المتقدم ابن عبد الباقي حسن واحسن واكثر سلاسة واكمل فصاحة وأبين. له ديوان شعر رأيته وقد طنبت على روضة الهجرة أبياته، ومحاسن نثر سمعته، وقد فاقت على خرائد المقاصير مخبياته. شعره يدل على ان الرجل كان يغترف من بحر؛ ويأخذ صنوف المعاني فيعيدها بسلاسة الفاظه سبيكة تبر. ويأتي بتشابيه ليس لها شبيه. لو رآها ابن المعتز لما كان مفتونا بتشبيه مواعين داره. ولما شبه هلال الأفق بالقلامة من-