وصفده بالحديد وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد على قرصين في كل يوم خبز من شعير، وكف ملح، ودورق ماء، وأن تحصى ألفاظه فتنقل إليه. فأقام بزر جمهر شهورا لا يسمع منه لفظ. فقال انوشروان: ادخلوا عليه بعض أصحابه، ليستأنس بهم، ويفاتحوه بالكلام، واسمعوا ما يجري بينهم، وعرفونيه.
فدخل عليه جماعة من المحتفين به، وقالوا: أيها الحكيم نراك في هذا الضيق والحديد والصوف والشدة التي دفعت إليها، ومع ذلك فان سجية وجهك، وصحة جسمك على حالهما لم يتغيرا. ما السبب في ذلك؟ قال: لأني عملت جوارشا من ستة أخلاط اخذ منه كل يوم شيئا، فهو الذي أبقاني على ما ترون. قالوا صفه لنا فيوشك أن نبتلى بمثل بلواك فنستعمله.
قال: الخلط الأول الثقة بالله عز وجل. والخلط الثاني ان كل مقدر كائن. والخلط الثالث الصبر خير ما استعمله الممتحن.
والخلط الرابع إذا لم اصبر فأي شيء أعمل. والخلط الخامس يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه. والخلط السادس من ساعة إلى ساعة فرج.
وعلى هذا قول بعضهم:
اصبر على حلو الزمان ومره ... واعلم بأن الله بالغ أمره
فالصدر من يلقى الخطوب بصدره ... وبصبره وبحمده وبشكره
والحر سيف والذنوب بصفوه ... صدأ وصيقله نوائب دهره
ليس الحوادث غير أعمال امرى ... يجزى به من خيره أو شره
فلئن أصبت بما أصبت فلا تقل ... أوذيت من زيد الزمان وعمره