جهز أرباب الفضل بجهازهم، وعرف أصحاب المكارم بحقيقتهم ومجازهم. فما بقي حاجة من الفضل في نفسه إلا وقضاها، ولا صحيفة من الأدب إلا وختمها وأمضاها. فآوى إليه أخاه الكمال، وأخذ عليه موثقا أن لا يتجاوزه معال. فخرت إليه أرباب الأدب سجدا، واتخذوا فناء داره معبدا، وحلبة مجده مسجدا. فهو الفريد العصر، والمد الذي ماله جزر. طويل الباع، البديع اليراع. قضى عمره بالتدريس والنيابة، ولم يبق من الكمال شيء حتى أحرزه وأصابه. تفرد في كل باب، وأخذته المنية ولم تهاب، وان في ذلك لعبرة لأولي الألباب. انطوت صكوك علمه في سجل عمره كانطواء الكتاب، فكان محصوله من متاع الدنيا ما يحسبه الظمآن ماء فإذا هو سراب.
ليبك عليه خطه وبنانه ... فذا مات واشيه وذا مات ساحره