الاضطرار، لظمأ شديد بسبب فقد الماء في القفار، والعرب كذلك. وقرن الروم بالحجل لأنها تسكن الجبال والمواضع الكثيرة الأشجار، والروم كذلك. فالمعنى هنا وصفه بالشجاعة وقوة البأس. والأمران هما الكدري والحجل، وكل منهما مخالف للآخر في الاستيطان كما تقدم، فلو قرن بالحجل العرب لقرن بالمخالف، ولو قرن الروم بالكدري لكان كذلك. فمعدل عن ذلك وقرن كل واحد بملائمة ليأتلف المعنى بالمعنى.
ثانيهما: أن يشتمل الكلام على معنيين ملائمين له، فيقرن بهما ماله مزية على غيره، لتحصل الألفة بين المعنيين كقول المتنبي:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
فكل من عجز البيتين ملائم لكل من صدريهما. غير أنه اختار هذا الترتيب لأمرين:
أحدهما: أن نسبته إلى الوقوف والبقاء في موضع يقطع للواقف فيه بالهلاك انسب من نسبته للثبات في حال هزيمة الأبطال.
فقوله في عجزه، كأنك في جفن الردى وهو نائم. أشد ملائمة من اقترانه بقوله: ووجهك وضاح وثغرك باسم. وإن كان في هذا وصفه بالثبات وعدم الجزع في مواطن الهلاك. والثاني: إن في تأخيره قوله ووجهك وضاح وثغرك باسم، مبالغة في وصف الممدوح بشدة ثباته، وملازمته لذلك، وعدم جزعه بابتسام الثغر ووضاحة الوجه حتى تمر الأبطال بين يديه جرحى منهزمين. وتلك