للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبقى تذكارا رائعا في تاريخ النساء. ودرجتها في فهم المسائل، ومكانتها في استنباط الأحكام الفقهية بعد عائشة (ض) (١)، ولذلك نراها قد احتلت مرتبة رفيعة لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - رغم كبر سنها، ولم يعكر صفاء علاقتها مع عائشة طوال هذه الفترة إلا حادث واحد بسيط فقط، وهو ما حكته لنا عائشة (ض) تقول: اجتمع صواحبي إلى أم مسلمة، فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم مسلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالت (أم مسلمة): فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له، فقال: ((يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها)) (٢).

٥ - وأما جويرية (ض): فلم تذكر لنا كتب الأحاديث والسير أي خلاف بينها وبين عائشة (ض)، سوى أن عائشة قد انبهرت بجمالها لما رأتها لأول وهلة، ولنسمع وصفها بلسان عائشة تقول: وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت .... الحديث (٣). فخافت عائشة على نفسها علها تسبب نقصان مرتبتها، والتقليل من مكانتها وأهميتها، وسرعان ما زاحت هذه الفكرة وزالت هذه الوسوسة، وثبت أن ذلك كان خطأ، إذ لم تكن أسباب مكانتها العالية، وعظم مرتبتها وسمو درجتها ورفعتها ذاك الجمال الظاهري أو الحسن الرائع الذي يبهر العقول ويجلب النفوس.


(١) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ٨/ ٩٢ - ٨٦.
(٢) صحيح البخاري كتاب المناقب برقم ٣٧٧٥، سنن الترمذي كتاب المناقب برقم ٣٨٧٩، سنن النسائي كتاب عشرة النساء برقم ٣٩٥٠.
(٣) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ترجمة جويرية ٨/ ١١٧ - ١٦١، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك ٢٨/ ٤ برقم ٦٧٨١.

<<  <   >  >>