للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥ - كما هو معلوم إن الطلاق أبغض المباحات إلى الله تعالى، وآخر وسيلة يرجع إليها الإنسان في الحياة الزوجية، فكان ينبغي تقليل نسبة وقوعه، وتضييق نطاقه إلى أقصى حد ممكن، ولو خير الزوج زوجته بين البقاء والمفارقة فاختارت زوجها فماذا يكون الحكم؟ يرى بعض أهل العلم من الصحابة وقوع طلاق واحد، ولما بلغ ذلك عائشة (ض) أنكرت هذه الفتوى بشدة وقالت: خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترناه أفكان طلاقا (١)؟.

كما أن القول بوقوع الطلاق لا يأتي من الأخلاق في شيء، ففيه جرح لشعور الحب والإخلاص والوفاء الذي دفع الزوجة لاختيار زوجها، وكسر لخواطر صنف القوارير، ورد الجميل بالسيء، ووصمة عار في المجتمع، ولذلك نرى أن جمهور الفقهاء والمحدثين اختاروا قول عائشة (ض) وأفتوا به.

١٦ - لو أكره أحد على تطليق زوجته وهدد بالقتل أو التعذيب لا يقع عليها الطلاق عند عائشة (ض)، تقول (ض): ((لا طلاق في إغلاق)) (٢) وفي رواية: ((لا طلاق في غلاق)) (٣) وقد سلم بهذا الأصل سائر الفقهاء والمحدثين، سوى الإمام أبي حنيفة (ح)، وفعلا لو لم يكن هذا الأصل من أحكام ديننا الإسلامي الحنيف لصعب على المحصنات الغافلات ذوات الشرف والعزة التخلص من أيدي الجبابرة والمتكبرين من السلاطين والأمراء.

١٧ - كان من ضمن أغلال الطقوس وسلاسل التقاليد والعادات التي أثقلت أعناق النساء في الجاهلية عدم تحديد عدد الطلاق، وكذلك عدم تحديد مدة الرجعة بعد الطلاق، فكان الرجل يطلق أهله ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مئة مرة أو أكثر، حتى قال رجل


(١) سنن الترمذي كتاب الطلاق واللعان برقم ١١٧٩، والبخاري في صحيحه كتاب الطلاق برقم ٥٢٦٢.
(٢) سنن ابن ماجه كتاب الطلاق برقم ٢٠٤٦، مستدرك الحاكم ٢/ ٢١٦ برقم ٢٨٠٢ و ٢٨٠٣، وسنن البيهقي الكبرى ٧/ ٣٥٧ برقم ١٤٨٧٤، وسنن الدارقطتي ٣٦/ ٤.
(٣) سنن أبي داود كتاب الطلاق رقم ٢١٩٣.

<<  <   >  >>